> 

 > 

حين تحكم البندقية ويُصادر الكتاب 

حين تحكم البندقية ويُصادر الكتاب 

  في اليمن لم تكن السياسة يومًا مجرد صراع على السلطة بل كانت دومًا ساحةً تُختبر فيها قدرة الثقافة على المقاومة لكن ما يحدث اليوم خصوصًا […]

صلاح الظهر

صلاح الظهر
13 يوليو، 2025

 

في اليمن لم تكن السياسة يومًا مجرد صراع على السلطة بل كانت دومًا ساحةً تُختبر فيها قدرة الثقافة على المقاومة لكن ما يحدث اليوم خصوصًا في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله يتجاوز الخوف، ويتجاوز حتى الاستبداد نحن لا نعيش انقلابًا على السلطة فحسب بل انقلابًا على العقل، على الفن، على السؤال.

 

ثقافة مُصادرة وعقل تحت الرقابة

في قلب  صنعاءحيث كانت تُقرأ الكتب في المقاهي وتُناقش القضايا على أرصفة الشوارع صمت كل شيء المكتبات تُفتّش، والمعارض تُلغى، والقصائد تُصنَّف أمنيًا الكاتب الذي لا يمدح (السيد) يُعامل كناشط متمرد والمثقف الذي لا يُجيد التهليل للصرخة يُقصى، أو يُسحق، أو يُرغَم على الصمت.(1)

لم تعد الثقافة حرة بل صارت نسخةً منقحة من خطاب الجماعة كُتيبٌ صغير يُعاد تكراره في المساجد والمدارس والشاشات لا يقبل النقد ولا يُفسح مجالًا للتعدد أو التساؤل.

 

الصرخة بدل القصيدة والخطبة بدل الكتاب

المشهد الثقافي في مناطق الحوثيين لم يُختطف فقط بل أعيد تشكيله بالكامل الطفل في المدرسة يُلقّن الولاء قبل أن يُعلَّم الحروف الشاب في الجامعة يُراقَب فكريًا المرأة تُقنن أفكارها وتخفي مواقفها خوفًا من اتهامها بالانحراف الثقافي والمثقف إن لم يلبس عباءة الولاء سيُخلع من مشهده تمامًا.(2)

السؤال هنا:

 أي مشروع وطني هذا الذي يخاف من الكتب؟

أين المشروع الثقافي لأنصار الله؟

هل المشروع الثقافي مجرد صرخة؟

 مجرد قصاصات تعبئة؟

هل يكفي أن تحذف ذاكرة وطن لتؤسس وعياً جديداً؟(3)

 

خوفهم ليس من الرصاص  بل من الفكرة

أنصار الله لا يخافون من البنادق بل من القصائد لا يرهبهم المقاتلون بل يرعبهم المفكرون لأن الكلمة الحرة تهز العروش وكتاب صغير قد يسقط منظومة كاملة مبنية على الوهم.

إنهم يُدركون خطورة الوعي ولذلك حاربوه بكل وسيلة منابر خُصصت لتأليه القيادة مناهج دراسية تمحو رموز الجمهورية والثورة والهوية الوطنية إعلام لا يُناقش بل يُلقّن ثقافة موحدة، بلون واحد، ورأي واحد، وزاوية واحدة الزاوية التي تُطِل منها الجماعة على الناس.(4)

 

اليمن لا يُلخّص في خطاب

اليمن ليس شعاراتٍ معلّبة ولا أناشيد حربية  اليمن كتاب مفتوح فيه قصيدة الزبيري ولوعة البردوني وسخرية عبدالعزيز المقالح  اليمن ليس خُطبة  اليمن نقاشٌ، وتعددٌ، وصخبٌ جميل  ولهذا لا يمكن للثقافة أن تعيش في كهف الشعارات ولا أن تنمو تحت قبضة البندقية. (5)

 

ما بين التجهيل والتدجين تضيع الأوطان

المثقف اليوم إما تابعٌ أو مهدد  إما أن يُعلن الولاء، أو يتوارى عن الأنظار  وفي هذا المشهد الكئيب يكبر جيل لا يعرف اليمن بل يعرف فقط الجماعة  جيلٌ قد يُجيد السلاح لكنه لا يعرف معنى الحرية  جيلٌ يُكرّر النصوص دون أن يُدرك السياق ويخاف من السؤال أكثر مما يخاف الله.(6)

 

الكلمة التي ستُفجّر الصمت

لكن ورغم كل شيء الثقافة لا تموت  هي فقط تختبئ تحت الرماد لتشتعل حين يأتي أوانها  سيأتي اليوم الذي يُعاد فيه فتح المسارح وتُغنّى الأغاني في الإذاعات وتُباع الكتب في الساحات دون خوف، ودون تأليه، ودون خطاب أمني سيأتي المثقف من منفاه سواء كان في الخارج أو في داخله  ليكتب لا ليمدح بل ليبني وطنًا لا جماعة 

فاحذروا الكلمة لأن ما فشلت فيه البنادق ستُنجزه جملة حرة.