في فقم على الشاطئ الغربي من عدن لا تأتي الأمواج للمداعبة بل تأتي لتنهش قوت اليوم وتسحب القارب من خاصرة البحر وتعيده إلى اليابسة… خشبا محطما وذكريات مبتلة.
الحلم والألم
فقم ليست مجرد قرية ساحلية في مديرية البريقة بل روح تتنفس على حافة الموج… وأهلها صيادون تتشرب جلودهم الملح وتوشم ملامحهم بخطوط الصبر… هنا حيث البحر أكثر من مجرد رزق هو شريك قديم في الحلم وفي الألم أيضا.
ذاكرة المرسى.. قبل أن يغادر الحلم
في “الدندار” حيث كان مرسى الإنزال السمكي كانت الحياة تدب بين ثلج المصانع وضجيج الورش وأنفاس البنزين تعبئ قلوب القوارب كان ذلك قبل أن تطوى صفحة جمهورية اليمن الديمقراطي وتنحل خيوط التعاونيات السمكية التي كانت تمد الصياد من القارب حتى الثلاجة حين توقفت الدولة عن الحلم توقفت الحياة في فقم.
دون ظهر ودون جدار
مشروع كاسر الأمواج في آخر جبل مطرح الذي بدأ في سنوات ما قبل الوحدة توقف حين انهارت أركان دولة جمهورية اليمن الديمقراطي وما تبقى من المشروع سوى طريق شق نحو اللسان البحري وانتهى في العدم وبدأت معاناة الصيادين هناك دون حماية دون ظهر ودون جدار يصد الغضب القادم من البحر.

البحر لا ينتظر أحدا
في فقم التقينا بالصياد رمزي عبد الله امبادي يروي وجعه بملح لا يجف قائلا:
“في موسم الرياح ننام ونصحو على صوت اصطدام القوارب بالصخور… لا كاسر أمواج يحميها ولا جهة تنقذنا من خسائرنا كل مرة نخسر قاربا نخسر عمرا كاملا من التعب”.
إلى جانبه يقف الأستاذ أحمد النجار تربوي من أبناء المنطقة تحدث وفي عينيه غضب ناعم:
كل مرسى في البريقة حظي بكاسر للأمواج إلا فقم لماذا؟ هل لأننا اعتدنا الصبر؟ أم لأننا لا نصرخ؟

مساهمة لا تكفي
في 2022 افتتحت السلطة المحلية مشروعا برعاية المجلس الانتقالي كان كاسر أمواج بطول 35 إلى 60 مترا فرح الناس في فقم وتنفس الصيادون قليلا لكن شيئا لم يتغير…
الكاسر أنشئ في المرسى الخلفي حيث القوارب لا ترسو إلا نادرا بينما المرسى الرئيسي في الدندار ظل عاريا مكشوفا يتلقى صفعات البحر بلا رحمة.
وبحسب بعض الصيادين الكاسر لم يكن بالمواصفات والبحر جرفه كما جرف وعودهم يقول صياد آخر وهو ينظر إلى المرسى كمن ينظر إلى قبر مفتوح فهو يرجو أن يكون هناك مشروع كاسر الأمواج في الدندار لكن عدد من أهالي فقم أوضحوا بأن ثمة بعض الأصوات من فقم نفسها أعاقت تنفيذ مشروع كاسر الأمواج بعد أن تكفلت منظمات بإنشائه الأمر الذي ولد تخوفا لدى الصيادين بنقل هذا المشروع إلى مكان آخر بسبب الخلافات.
اللجان المجتمعية والسلطة المحلية
يؤكد الأستاذ فوزي مساعد الحريري مسؤول اللجان المجتمعية في المنطقة الأولى بمديرية البريقة أن منطقة دندار – وتحديدا موقع جبل مطرح آخر حدود جبال فقم البحرية – لا يزال حتى اللحظة بلا مشروع كاسر أمواج فعّال.
وأشار الحريري إلى أنه كان هناك مشروع سابق بطول 110 أمتار في عام 1998 لكنه أُفشل آنذاك بفعل معارضة بعض سكان المنطقة في ظل النظام السابق …
وأضاف أن منظمة الفاو الدولية كانت قد نزلت إلى المنطقة مؤخرا – قبل عام تقريبا – تحت إشراف اللجان المجتمعية وحددت فعليا عدة مشاريع في منطقة فقم الساحلية من ضمنها إنشاء كاسر أمواج جديد.
وفيما يخص الكاسر الحالي المنفذ عند مرسى فقم أوضح الحريري أن التوجيهات جاءت من عضو مجلس القيادة الرئاسي رئيس الانتقالي اللواء الزُبيدي بتنفيذ كاسر مؤقت صغير بطول يقارب 60 مترا لحماية قوارب الصيادين ومعداتهم خاصة في مواسم الرياح الشمالية وذلك إلى حين تمويل مشروع الكاسر الكبير المأمول من قبل الفاو.
وأضاف الحريري أن الكاسر الذي تم تنفيذه أسفل عقبة فقم تم بجهود ذاتية متواضعة حيث تكفلت مصافي عدن بمساهمة مالية وتولت السلطة المحلية – ممثلة بالمدير السابق فهمان عطيري – توفير المعدات من شيول وقلاب لنقل الحجارة.
كما تم إرسال رسالة رسمية إلى الزُبيدي أوضح فيها أهالي فقم حاجتهم الملحة لكاسر أمواج يحمي أرزاقهم من غدر البحر وقد تم الاستجابة لذلك ونزل مهندس من قيادة المجلس وتم تنفيذ الكاسر الصغير ضمن الإمكانيات المتاحة.

هل يسمع أحد صوت الأمواج؟
غياب كاسر الأمواج في الدندار هو جرح نازف في خاصرة فقم وهو عنوان لخذلان مزمن يعيشه كل صياد.. كل عائلة تنتظر عودة القارب محملا بالرزق لا بالموت.
فكم من قارب تحطم؟ كم من عائلة فقدت كل ما تملك؟
وهل يكفي الصمت للنجاة من موجة؟ وهل يكفي الأمل ليكون سدا في وجه العاصفة؟
فقم تريد الحياة
فقم لا تطلب المستحيل.. تطلب فقط الحماية تطلب من الدولة أن تعيد بعضا من وفائها أن ترد الجميل لمن يطعم هذه المدينة من عمق البحر والصياد في فقم لا يطلب صدقة… بل عدالة ففي بلادنا من لا يحتمي بكاسر أمواج يغرق في صمت طويل ومن لا تكسر الدولة لأجله الموج ستكسره الأمواج وحيدا.


