أزمة مناخية صامتة تعصف بحياة الملايين
في بلاد أنهكتها الحرب لا تُقرع أجراس الإنذار دائمًا عندما يهدد الخطر فبينما تتجه الأنظار نحو المدافع والمفاوضات يتسلل تغيّر المناخ في صمتٍ قاتل يغيّر معالم الجغرافيا ويقلب موازين الحياة في اليمن.
الجفاف يتوحش والمطر يُعاقب
لم يعد موسم الأمطار مبعث خير كما كان بل أصبح سيفًا ذا حدّين ففي بعض المناطق تقسو الشمس حتى تشقّ الأرض، وتجفّ الآبار، وتُهجر الحقول بينما تُغرق السيول أماكن أخرى وتقتلع ما تبقى من حياة هشة.
بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) فإن أكثر من 70% من سكان اليمن يعيشون في مناطق معرضة لمخاطر التغير المناخي بما في ذلك موجات الجفاف المتكررة، والعواصف الغبارية، والفيضانات المفاجئة هذا الخلل المناخي يترافق مع غياب قدرة الدولة على الاستجابة مما يزيد من تفاقم الوضع البيئي والإنساني على حد سواء.(1)
تآكل الأمن الغذائي الزراعة تحت الحصار
أكثر من 50% من سكان اليمن يعتمدون على الزراعة كمصدر للرزق لكن وفقًا لتقارير الفاو (FAO) فإن التصحر، وتراجع كميات الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة تسببت في انخفاض إنتاج الغذاء وزيادة الاعتماد على المساعدات الدولية ولا يقتصر التهديد على الإنتاج الزراعي فحسب بل يمتد ليضرب دورة الحياة الريفية ويدفع بالمزارعين نحو الهجرة الداخلية أو الهجرة غير النظامية.(2)
المياه الكنز المهدور
في بلد يعاني من واحدة من أعلى معدلات ندرة المياه في العالم تتعقد الأزمة المناخية أكثر يشير تقرير البنك الدولي (2024) إلى أن اليمن سيواجه كارثة مائية شاملة بحلول عام 2040 إذا استمرت معدلات السحب من المياه الجوفية بهذا الشكل ووفقًا لبيانات هيئة البيئة التابعة للأمم المتحدة (UNEP)، فقد فقدت العاصمة صنعاء ما يقرب من 80% من مصادر مياهها الجوفية خلال العقود الثلاثة الماضية. (3) (4)
المناخ كعامل تأزيم للحرب والنزوح
إن تغيّر المناخ لا يحترم الحياد بل أصبح اليوم وقودًا غير مرئيًا للنزاعات فبينما تؤكد هيومن رايتس ووتش ومجموعة الأزمات الدولية (ICG) أن هناك علاقة وثيقة بين تقلص الموارد البيئية واندلاع التوترات فإن الواقع اليمني يقدم نموذجًا مريرًا لذلك؛ حيث ساهم الجفاف وفقدان مصادر الرزق في دفع بعض المناطق نحو الاقتتال المحلي والتوسع في النزوح الداخلي.(5) (6)
البيئة تحت الحصار التلوث والإهمال واللامبالاة
تغيب الرقابة البيئية في أغلب المناطق اليمنية وتنتشر مكبّات النفايات العشوائية، ويُحرق البلاستيك في الشوارع، وتُستنزف التربة دون تنظيم أو وعي في الوقت ذاته تتحدث وكالة رويترز وشبكة بي بي سي عن مئات الحوادث البيئية الناتجة عن التسرّب النفطي في البحر الأحمر خصوصًا حول خزان صافر والتي تشكل تهديدًا مباشرًا للتنوع البيئي البحري ولرزق آلاف الصيادين. (7) (8)
من يتحمل المسؤولية؟
لا يمكن فصل الأزمة المناخية عن واقع الحرب فالتدهور المستمر في البنية التحتية، وتفتت مؤسسات الدولة، وغياب الخطط البيئية كلها عوامل تجعل اليمن أكثر هشاشة أمام التغير المناخي ومع غياب الإرادة السياسية فإن البيئة تظل الحلقة الأضعف.
لكن لا يمكن أيضاً إغفال التأثيرات المباشرة للحوثيين وغيرهم من أطراف النزاع الذين استغلوا الموارد البيئية دون ضوابط وساهموا في التعدي على المساحات الخضراء، وتدمير الأراضي الزراعية، والتسبب في تهجير المجتمعات الريفية الهشة.
خاتمة: من ينقذ اليمن من الغرق الصامت؟
قد لا تُسمع أصوات الرياح في قاعات المؤتمرات السياسية لكن صوت الأرض يعلو يومًا بعد يوم يئنّ تحت ثقل اللامبالاة، والجهل، والإهمال فهل ينتبه العالم لليمن لا فقط كأزمة إنسانية بل كجبهة أمامية في معركة الكوكب ضد التغير المناخي؟
الوقت يمرّ والنافذة تضيق وما لم تبدأ الاستجابة المناخية الآن فإن الجغرافيا نفسها قد تنقلب على الإنسان.


