> 

 > 

ظبي اليمن .. الأغنية التي أعادت لنا أبوبكر سالم

ظبي اليمن .. الأغنية التي أعادت لنا أبوبكر سالم

هل قرأ أبوبكر سالم رسالة جبران خليل جبران إلى ميخائيل نعيمة؟

غاطس بامسلم

غاطس بامسلم
8 يوليو، 2025

كلما أردتُ سماعَ أغنية “ظبي اليمن”، تتبادر إلى ذهني أربعة أسئلة:
١. هل قرأ أبوبكر سالم رسالة جبران خليل جبران إلى ميخائيل نعيمة؟
٢. هل كتب عبدالعزيز المقالح كلمات مطلع القصيدة دون أن يعلم أنها رسالةٌ قَدَريةٌ تحثُّ أبوبكر على العودة، رغم أنها كُتِبَت في الأصل لأحمد فتحي؟
٣. هل كان أبوبكر سالم يُغنِّي الأغنية وكأن كلماتها مناجاةٌ ورجاءٌ بلسان كل محبيه لعودته؟

وتبقَّت “هل” أخيرة: هل يمكننا الآن، باستخدام فكرة رولان بارت الثورية في فصل النص عن مؤلفه، أن نحرِّر “ظبي اليمن” من التفسير الأحادي، ونجعلها نصًّا مفتوحاً على كل الاحتمالات؟ بل هل يُمكننا القول إن “ظبي اليمن” كان أبوبكر سالم نفسه؟

ذات يومٍ، بلغ جبران خليل جبران أن رفيقَ دربه ميخائيل نعيمة اعتزل الأدب واتجه إلى التجارة. تألَّم جبران لهذا الخبر، فكتب إليه رسالةً مختصرةً من سطرين:
“حكَوْا لي أن صوتَك في البيع جميل، لكني أودُّ أن أقولَ: مَن يخرج من عالمنا لا يعود إليه أبدًا… مَن يغادر عالمَ الأدب لن يُخلِّدَ اسمَه. فاِفطن للأمر وعد!”
فَعَادَ نعيمة إلى الأدب. لكن مَن يعيد إلينا أبوبكر؟

نقفز بالزمن إلى شتاء ١٩٧٥ في القاهرة. كان أبوبكر سالم قد انقطع عن الفن سبع سنواتٍ، منغمسًا في التجارة، حين زاره صديقه عبدالله الحامد بصحبة شابٍّ يمنيٍّ طموحٍ يُدعى أحمد فتحي، طالب الموسيقى الذي حمل معه أغنيةً جديدةً: كلماتٌ لعبدالعزيز المقالح، ولحنٌ من إبداعه.

بدأ فتحي يعزف على العود مُردِّدًا:

لَمَّا يَغِيب القَمَر والعَقْل بِه مَرْبُوش
تَسْأَل عَلَيْه العُيُون لِي فَوقْها مَنْقُوش
قَالَ السَّحاب في أَسَى: مِن أمْس ما شِفْتُوش
شُلَّ النُّجُوم واخْتَفَى وَجْه السَّمَا مَوْحُوش

تأمَّل أبوبكر في الكلمات: هل كُتِبَتْ له دون أن يعلم المقالح؟ أم أنها صرخةُ محبِّيه الذين افتقدوا “القمر” الذي غاب عن سماء الفن؟

توقَّف الزمن في الغرفة. انهمرت دموع أبوبكر، ثم قال بلهفة:
“هذه الأغنية لي… أنا مَن سيُغنِّيها!”

هكذا، بعثت كلمات المقالح روحاً جديدةً في فنانٍ ظنَّ الجميع أنه انتهى، ليعودَ “ظبي اليمن” إلى موطنه الأصلي: قلب أبوبكر، وقلوب ملايين العرب.

 

خاتمة:
ربما لو قرأ بارت قصتنا هذه لقال: لا يهمُّ إن كان المقالح كتب الكلمات لفتحي أو لسالم، المهم أن النصَّ صار مرآةً لكل عاشقٍ غادرَ فنه ثم حنَّ إليه. فـ”ظبي اليمن” لم يعد مجرد أغنية، بل صار أسطورةً تُثبت أن الفنَّ لا يموت… حتى لو غاب قمره.